يوم النـَّحر بقلم الداعية الإسلامية مهندسة بهيرة خيرالله
يوم النـَّحر بقلم الداعية الإسلامية مهندسة بهيرة خيرالله
يوم النحر هو اليوم العاشر من ذى الحجة ، أول أيام عيد الأضحى المبارك .
دعونا نتذكر فى هذا المقام قصة الذبيح ؛ قصة أبينا إبراهيم وابتلائه بذبح ابنه إسماعيل ، وفداء الله له بكبش أملح عظيم لما أذعن لأمره ، ولم يستجب لوسوسة الشيطان له ، ورجمه عند ثلاث مواضع .. وهذا ما يفعله الحجيج من ذبح الهدي يوم النحر ورمي جمرة العقبة الكبري، ورمى الجمرات الثلاث عند العقبة فى أيام التشريق الثلاثة .
– وقصة الذبيح : جاءت فى [سورة الصافات: 99- 111] ، بعد أن يأس إبراهيم من قومه ومن إيمانهم بالله بعدما شاهدوا من الآيات العظيمة ، هاجر إلى الأراضى المقدسة بالشام : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } ؛ ثم دعا ربَّه أن يُعطيه أولادًا طائعين عوضًا عن عشيرته فقال : { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ }، فتقبل ربُّه دعاءه :{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } هو إسماعيل ، وُلِدَ له ولإبراهيم ست وثمانون عاما . { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه ويطيق العمل معه :{ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ } ، ورؤيا الأنبياء حق ، هنالك علم الابن أن أبيه النبي مأمور من ربِّه فلم يجادل :{ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } … انظروا إلى صبر الصبى ابن الاثنى عشر عامًا واحتسابه !
{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } استسلما وانقادا لأمر الله والرضا بقضائه : فهذا الأب إبراهيم يستسلم ويمتثل لأمر الله ، وهذا الابن إسماعيل كذلك يمتثل لأمر الله ولأمر أبيه ، وتشهدا وذكرا الله تعالى : إبراهيم على الذبح ، والولد شهادة الموت ؛ ثم أكبَّهُ على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه !! وقال الصبى :”يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي وجهى وأنت تذبحنى فترحمني , وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ، واربط يدي إلى رقبتي ، وأدخل الشفرة من تحتي ، وامض لأمر الله ” ! … يا الله !!!
ثم أكبّه للجبين ، وعلى إسماعيل قميص أبيض ، فقال له : “يا أبت إنه ليس لي ثوبٌ تُكفنني فيه غيره ، فاخلعه حتى تكفنني فيه ” ، فعالجه ليخلعه ، فنودي من خلفه : { وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ }، فالتفت إبراهيم فإذا بكبش عظيم { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } ….
ويروي أنه لما أمر إبراهيم بهذا عرض له الشيطان عند السَّعي فسابقه فسبقه إبراهيم وازدلف أي أسرع عند موضع سُمِّى بالمزدلفة ، ثم ذهب به جبريل إلى حيث موضع “جمرة العقبة” فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات ، ثم عرض له عند الجمرة الصغرى فرماه بسبع حصيات .
… وذلك ما يفعله الحاج { من مناسك الحج } :
– وهو قوله : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) [ البقرة]
– قال ابن عباس : { الشيطان ترجمون ، ومِلَّة أبيكم تتبعون } .
– وفى رواية أخرى : إنه لما أُرِيَ ذبح ابنه ؛ قال الشيطان : ” إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدًا” ، فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه ، فذهب الشيطان فدخل على أمه هاجر، فقال : أين ذهب إبراهيم بابنك ؟- قالت : غدا به لبعض حاجته – قال : فإنه لم يغد به لحاجة ، إنما ذهب به ليذبحه – قالت: ولِمَ يذبحه ؟ – قال : زعم أن ربَّه أمره بذلك – قالت : إن كان أمره بذلك فقد أحسن أن يُطيع ربَّه ، فرجمته … فذهب الشيطان في أثرهما ، حتى أدرك الابن يمشى خلف أبيه ، فقال للغلام : أتدري أين يذهب بك أبوك ؟ – قال : لبعض حاجته – قال: فإنه لا يذهب بك لحاجة ولكنه يذهب بك ليذبحك – قال : ولِمَ يذبحني ؟ – قال : يزعم أن ربَّه أمره بذلك – قال : فوالله لئن كان الله تعالى أمره بذلك ليفعلنَّ ، فسمعًا وطاعة لأمر الله ، فرجمه … فيئس منه فتركه ، ولحق بإبراهيم فقال : أين غدوت بابنك ؟ – قال : أريد هذا الشعب لحاجة لى – قال : فإنك لم تغد به لحاجة ، وإنما غدوت لتذبحه – قال : ولِمَ أذبحه ؟ – قال : تزعم أن ربَّك أمرك بذلك – فعرفه إبراهيم وقال : إليك عنى يا ملعون – وقال : فوالله لئن كان الله تعالى أمرني بذلك لأفعلنَّ ، فرجمه وكبَّر … فلما رأى أنه لا يطيقه , ولم يدر إبراهيم أين يذهب ، انطلق حتى أتى ذا المجاز ، فلما نظر إليه فلم يعرفه جاز ، فلذلك سُمِّي ذا المجاز . ثم انطلق حتى وقع بعرفات ; فلما نظر إليها عرف وصفها ، قال : قد عرفت ، فسُمِّي عرفات . فوقف إبراهيم بعرفات ، حتى إذا أمسى ازدلف إلى جَمْع ، فسُمِّيت المزدلفة , فوقف بجَمْع … فتركه الشيطان ويئس أن يُطاع .
– وفي الخبر رواية نتذكر بها اللحظات الحرجة : إن الذبيح قال لإبراهيم حين أراد ذبحه :” يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ; واكفف ( أبعد) ثيابك ، لئلا ينتضح عليها شيءٌ من دمي ، فينقص أجرى ، وتراه أمي فتحزن ؛ وسِن شفرتك ، وأسرع مَرّ السكين على حلقي ، ليكون الموتُ أهونُ علي ؛ فإن الموتَ شديدٌ ؛ واقذفني للوجه لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني , ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع ؛ وإذا أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلام ، وإن رأيت أن تهبها قميصى فافعل ، عسى أن يكون أسلى لها عنى ” . فقال له إبراهيم : ” نِعْمَ العونُ أنت يا بُنى على ما أمر الله به ” . فلما جر إبراهيم السكين على نحر ابنه ، ضرب الله عليه صفيحة من نحاس ، فلم تعمل السكين شيئا , ثم ضرب به على جبينه وحزَّ في قفاه فلم تعمل السكين شيئا ؛ عندئذ نودي :{ أن يا إبراهيم قدْ صَدَّقتَ الرُّؤيا } ؛ فالتفت فإذا بكبش عظيم .
– وكان الفداء بكبش أقرن أمْلح ( أبيض) أعيَن ( ليس بأعور) ، رآه مربوطًا بسمرو فى ثبير فذبحه بمنى …. وكذلك يفعل الحجيج ، اقتداءًا بسنة أبيهم إبراهيم وفداءًا لأبنائهم . وهذه هى صفة الهدى الذى يهديه الحاج إلى البيت الحرام ؛ أو الأضحية التى يذبحها غير الحاج شكرًا لله وإتباعا لسنة نبى الله .. وذلك { من مناسك الحج } .
وقد كان فى أول الإسلام رأس الكبش مُعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى يبس ، حتى احترق البيت فاحترقا ، وكانت قريش تتوارثهما إلى أن بعث النبى .
– وقد روى الإمام أحمد أن رسول الله أرسل إلى عثمان بن طلحة – سادن البيت وحامل مفتاحه – وقال له : ( إنى كنت رأيتُ قرنى الكبش حين دخلتُ البيتَ ، فنسيتُ أن آمرك أن تُخمرهما ، فخَمِّرْهُما ( أي غطيهما ) ، فإنه لا ينبغى أن يكون فى البيت شئٌ يشغلُ المُصلى ) … وكان هذا بعد فتح مكة عام 8هـ .
هذه قصة الذبيح بمني … فمن لم ينحر هديه بمِني ، فليذبح هواه هنا ، وقد بلغ المُني ..
وكل عام وأمة الإسلام علي هدي أبينا إبراهيم والذبيح إسماعيل وخاتم النبيين المصطفي العدنان ابن الذبيحين صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين .