مات الملك ……وعاش المنبر ……!!
البعد عن الوطن غربة …….أليس كذلك ؟
الوطن مكان وتاريخ وعادات وتقاليد وفكر ومشاعر وشعائر
الوطن ….حب ….ذكريات ….إنتماء وولاء
شئ جميل أن يعيش المرء في الوطن
ولكن الأجمل أن يعيش فيك الوطن
بكل تفاصيله وخيوطة وتعاريج الزمن فيه
كان صباح الجمعة
تذكر صاحبنا طقوسه وعاداته في هذا اليوم المقدس من كل أسبوع
حتى برامج التليفزيون لم ينساها
عالم البحار للعالم القدير حامد جوهر الذي ولد في القاهرة 15 نوفمبر 1907 وتوفي في 1992.
عالم الحيوان الذي كان يقدمه الإعلامي الكبير محمود سلطان رحمة الله عليه
أما برنامج العلم الإيمان الذي كان يقدمه الرائع الدكتور مصطفى محمود
ويتوج برامج التليفزيون نقل شعائر صلاة الجمعة يعقبها لقاء الإيمان مع الشيخ الشعراوي رحمه الله .
أما على مستوى الإذاعة كان برنامج الغلط فين الذي كان يقدمه الإعلامي القدير على فايق زغلول من أحب البرامج التي كان يتابعها …….ذكريات كانت تشكل وجدان صاحبنا ….كانت له وطن …وأي وطن ؟ يوم الجمعة في باريس ….يختلف عن يوم الجمعة في مصر .
كان عليه أن يصل لمسجد باريس الكبير ليصلي فيه الجمعة .
لم يكن المسجد بعيداً عن جامعة السربون التي كان يدرس فيها .
ببساطة فتح خريطة باريس وأخذ قلم أخضر ورسم الطريق بين الجامعة والمسجد القريب من محطة ” Place Monge ” في باريس الدائرة الخامسة .
وصل للمرة الأولى للمسجد قبيل الصلاة بدقائق , كانت الأفواج البشرية من كل الألوان واللهجات والجنسيات تحث الخُطى نحو المسجد .
وهنا تبددت معالم الغربة التي كان يعيشها صاحبنا بمجرد دخوله للمسجد .
يعتبر مسجد باريس الكبير من أكبر المساجد التي شيدها الرعيل الأول من مهاجري شمال إفريقيا ” تونس , الجزائر , المغرب ” , وافقت فرنسا على بناء المسجد تكريماً للجنود المسلمين من شمال إفريقيا الذين دافعو عن فرنسا في الحرب العالمية الأولى , خصصت فرنسا 500.000 فرنك لهذا المشروع , بينما أنشأ سلطان المغرب وقفاً للإنتهاء من البناء , وتم الإحتفال بإفتتاح المسجد 15 يوليو 1926 من طرف الرئيس الفرنسي آنذاك ” دومارغ ” والسلطان المغربي ” مولاى يوسف بن الحسن.”
تعاقب على رئاسة المسجد عدة شخصيات، بداية من قدور بن غبريط، من مؤسسي مسجد باريس، وأول مدير له من سنة 1922م حتى سنة 1954م، ويوجد قبره خلف حديقة مسجد باريس. وخلال الحرب العالمية الثانية آوى المسجد حوالي 1600 من اليهود الفارين من النازيين ، فقدم الحماية لهم. بعد وفاة قدور بن غبريط، خلفه ابن أخيه أحمد بن غبريط بين 1954م- 1956م، في فترة شهدت استقلال كل من تونس والمغرب. تزامن ذلك مع تعيين حمزة بوبكر عميداً لمعهد ومسجد باريس من سنة 1957م حتى سنة 1982م. ثم خلفه عباس بن الشيخ الحسين، الذي توللى الرأسة بين 1982- 1989م وقام خلالها بإصلاحات في المسجد. وخلفه تيجاني هدّام التي ترأس المسجد بين 1989 – 1992م، وهو طبيب عمل قبل وبعد رئاسته للمعهد في مناصب سياسية في الجزائر، ثم خلفه العميد الحالي الطبيب دليل بوبكر، الذي تولى أول رئاسة للمجلس الفرنسي للديانة المسلمة الجهة الممثلة دينياً للمسلمين لدى السلطات الفرنسية .
تعتبر عمارة المسجد تحفة فنية رائعة
بني هذا الصرح الإسلامي على مساحة كبيرة تقدّر بـ7500 متر مربع، على أنقاض مستشفى «الرحمة» الذي تم نقله سنة 1911م إلى مكان آخر. ترتفع مئذنة هذا المسجد إلى طول 33 متراً. في المدخل الرئيسي توجد حديقة ب3500 متر مربع، تذكّر بحدائق قصر «الحمراء» في «غرناطة»، حيث يغلب الطابع الأندلسي المغربي على الهندسة المعمارية للمسجد المستوحاة من الفن الأندلسي بمدينتي فاس ومراكش ، كما هو حال النقوش التي تغطي جدران المسجد من الداخل، خاصة في مستوى البهو الكبير خارج قاعة الصلاة على يمين الحديقة. ويغلب على هذه النقوش اللون الأزرق. وباعتبار أن اللون الأخضر هو اللون الذي يُعرف به الإسلام، تم استخدام هذا اللون لتزيين شرفات البهو الذي تتوسطه نافورة جميلة. كما تمت تغطية البهو بمادة بلاستيكية بيضاء حتى يتم استغلاله كمكان للصلاة يوم الجمعة. أما قاعة الصلاة فهي أيضاً تحفة معمارية تجمع بين الطابع القديم والحديث، حيث تم الاحتفاظ بالطريقة التقليدية في الإنارة، وتوجد ثريا معلقة في قبة المسجد تزن 300 كلج، كما يوجد على يمين المحراب منبر قُدّم هدية من الملك فؤاد ملك مصر. والفقيه والشاعر أحمد سكيرج هو ناظم الأبيات الشعرية المنقوشة داخل وخارج المسجد.
هكذا بُني أكبر مساجد باريس بصبغة عربية فرنسية يتوجها المنبر المهداه من ملك مصر والسودان ” فؤاد الأول ” سنة 1926, يعتبر المنبر تحفة فنية خشبية مطعمة بالصدف تعكس روعة الفنون في مصر في تلك الحقبة , مات الملك ….وعاش المنبر حتى يومنا هذا , لم يصدق صاحبنا نفسه وهو يصعد على درجات هذا المنبر العتيق .
وتدور رحى الأيام …..وتتبدد غربة صاحبنا المهاجر بزيارته المنتظمة للمسجد وهناك يلتقى بشخصيات متعددة منهم ……
تابعونا في الحلقات القادمة
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب