الاعلامى جمعه قابيل يكتب: الدحدوح والموت هكذا يكون العظماء

الاعلامى جمعه قابيل يكتب: الدحدوح والموت هكذا يكون العظماء

 

لا أجد وصفا عقلانيا يمكن أن اصف به هذا الرجل .. فمنذ ايام قليلة رحلت زوجته واطفاله بعد قصف إسرائيلى لمنزله .. وعلم بالخبر وهو على الهواء يمارس عمله الصحفى وينقل الاخبار للناس ..

ورغم هول المفاجأة وقتها الا انه تعامل مع الموقف بثبات يحسد عليه .. وواصل نقل الاحداث بكلمات متقطعة تختلط مع دموعه .. والمدهش انه ذهب لدفن زوجته واطفاله وعاد فورا لعمله وكأن شيئا لم يحدث .. او كأنه توقع سيناريو الحدث واستعد ذهنيا وروحانيا وانسانيا للتعايش معه!

وبعدها تابعنا جميعا حالته النفسية والمهنية .. وكانت الاحداث سريعة والموت حوله من كل جانب وهو يواصل نقل الصورة ويتنقل من اماكن تفجير الى اماكن تدمير بلا كلل او ملل .. وكان التفسير وقتها انه يحاول الهروب الى مزيد من العمل .. ولا يترك لنفسه لحظة صمت او فرصة مراجعة او تفكير.

واستمر هروبه واستمرت جولاته فى تغطية احداث القتل هنا والدمار هناك ليلا ونهارا .. حتى كان موعده امس مع الحدث الجلل الذى يهز كيان اى انسان مهما كانت قوته وثباته ..

فقد فوجيء الدحدوح وفوجئنا جميعا باستشهاد ابنه الاكبر حمزة الذى يعمل هو الاخر صحفيا شابا ويقلد والده فى نقل تفاصيل الحرب فى غزة للعالم كله .. وتوقع كل من تابع الصدمة انهيارا للاب واعلانه الاستسلام واعتزال الحياة بما فيها ..

ولكن حدث العكس تماما .. فقد وقف الدحدوح امام جثمان ابنه .. ووسط دموعه التى لم ينجح فى ايقافها واعلن انه مستمر فى عمله .. وان الحياة والموت عنده سواء ..

فهو يمشي على قدميه ولكن عقله وقلبه وروحه هناك .. هناك مع ابنه حمزة وزوجته واطفاله الذين سبقوه .. وانه ينتظر لحظة استشهاده هو الاخر ليلحق بهم راضيا مرضيا!!

وبعيدا عن قناعات الدحدوح وثباته وقوته .. وبلحظة صمت لمدة دقيقه مع النفس والعقل .. ستجد الف سؤال يقفز الى ذهنك .. اول هذه الأسئلة هل هناك فى الدنيا مايستحق التضحية باغلى ناسك بهذا الشكل ..

هل مافعله ويفعله الدحدوح رسالة منه لنا جميعا أن مهنتنا مهنة الصحافة تتساوى فيها الحياة مع الموت بهذة الصورة .. هل حسبها الرجل جيدا واختار اقرب الطرق الى الشهادة حتى لو كان قدره ان يظل لبعض الوقت على قيد الحياة!

ايا كانت حسابات الدحدوح ومهما كانت قوته وكيف ومن أين استمدها .. الا اننى اتوقع له نهاية مماثلة واثق انه يتمناها اليوم قبل الغد .. وهى بالفعل النهاية المنطقية الوحيدة والمفهومة لصبره وثباته وتحديه للموت بهذا الثبات النادر!

رحم الله حمزة واخوته ووالدته ..
ورحم الاب وائل الدحدوح ..
الدحدوح الموجود حاليا جسدا على الشاشة ..
ولكن مؤكد وجوده هذا لن يطول ..
لانه بالفعل هناك ..
هناك بروحه منذ تلقى نبأ رحيل زوجته واطفاله ..
واكتمل انتقال بقايا روحه امس وهو يشهد استشهاد ابنه على الهواء!!

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.