المستهلك بين غلاء الأسعار وجشع التجار … بقلم: جمال القاضي

المستهلك بين غلاء الأسعار وجشع التجار

بقلم: جمال القاضي     

ربما نرى ونسمع كل يوم عن زيادات في أسعار ما نستهلكه من سلع ضرورية كانت أو غير ضرورية، فثمن السلعة في اليوم الواحد مختلف، ودائما في زيادة ، ويسأل المستهلك التاجر الذي يبيع له هذه السلعة عن أسباب هذه الزيادة التي تطرأ في كل لحظة على ما يشتريه كل يوم ، ليكون جوابه إن ذلك هو بسبب حرب روسيا وأوكرانيا ، لكن هذا السبب اتخذه كل من مات ضميره مبرراً كاذبا في معظم الأحيان ليجعل منه طاحونة يسحق بها المستهلك، مصممة تروسها من نوع خاص و هي تروس الاستغلال التي تجعل كل ما يمر بين سنونها رماداً ، لتصبح كل آمال المستهلك مجرد أحلاماً ضائعة ، صعبة المنال ، وتميت أمام عينيه كل طموحاته ، فبات ينظر لما يشتهيه من ضروريات الحياة نظرة الجائع الذي يسيل لعابه على أدخنة المشويات التي هي بعيدة عن قدراته الشخصية ومقدراته المادية فاكتفى بالنظرات إليها فقط ، ربما بذلك تهدأ ثوران جوعان ويشبع بالخيال شهواته .
ومع هذا الموضوع نعيش لحظات ، نقف عندها ،نناقش فيه الأسباب ، ونقترح معها الحلول حيث نتحدث عن عدة محاور وتشمل ثلاثة محاور نقف عند كل محور فيها بضع دقائق
وهذه المحاور هي :
المحور الأول :
ونتحدث فيه عن أسباب الأزمة التي كانت سببا في غلاء الأسعار .
المحور الثاني :
ونجيب فيه عن سؤال : ماهو دور التجار في غلاء الأسعار ؟
المحور الثالث :
ماهو الإقتراح بحلول للتغلب عن الأزمة المستمرة لغلاء الأسعار ؟
وعن المحور الأول : ماهي الأسباب التي أدت إلى إرتفاع أسعار السلع ؟
أولا: حرب روسيا وأوكرانيا
إن الحرب التي كانت ومازالت تدور بين روسيا وأوكرانيا هي تلك الشرارة الأولى التي جعلت من غلاء الأسعار مبرراً كاذباً لمن أراد أن يقنع الغير عن سبب الغلاء ، ربما كان هذا السبب في البداية حقيقة ، لكن لم يعد الآن مبرراً حقيقياً مقنعاً مع مرور الوقت ، خاصة ونحن مثلنا مثل دول كثيرة تعتمد في إستهلاكها لكثير من السلع الضرورية على الإستيراد ، ولم يكن الإستيراد لهذه السلع من دولة معينة ، وهي تلك التي تدور بها الحرب الآن بل يتم الإستيراد من هذه وغيرها ممن يمتلكون نفس السلع ، ولو كانت تلك الحروب هي السبب في الغلاء فكيف ذلك ونحن نرى إرتفاعاً جنونياً في أسعار السلع التي ننتجها محلياً هي الآخرى ويتم تسويق معظمها في الأسواق المحلية مثل الكثير من الخضروات والفاكهة ، على الرغم من أن هناك فارقاً كبيراً بين الثمن الذي تباع به السلعة من المزارع والثمن الذي تباع به نفس هذه السلعة من تاجر الجملة إلى المستهلك ،
ربما كان هذا السبب مقنعاً مع السلع التي ليس لها بديلا غير دول الحرب ، لكن الأمر مختلف فهناك عدة دول بديلة يمكن شراء هذه السلع منها .
ثانيا : الإحتكار وجشع التجار
مع غياب الرقابة وعدم محاسبة المحتكرين للسلع محاسبة رادعة تصبح قدوة لمن تسول له نفسه أو يفكر في أن يستغل المستهلك البسيط ، جعل ضمير التجار في ثبات عميق ، فكانت أمنياتهم وأحلامهم هي الوصول لقمة الجبال التي بنوها من جنيهات حصدوها من جوعى الفقراء المستهلكين وآلاف من أموال الأغنياء القادرين ، في مقابل ذلك موت أحلام الفقراء وسحق ماتبقى من أموال البسطاء ، وسط أجواء من الصمت تبدى تعجباً وكأن هذا الفقير ليس من حقه أن يعيش ، أو يتنفس ، أو يطعم أولاده ، وأن الذي من حقه أن يعيش هو التاجر الجشع فقط .
كما أن الكثير من هؤلاء التجار الفجار ومع غياب العقاب والرقابة جعلوا من إحتكار السلعة ريحا تنفخ في سعر السلعة ، فتعلوا شرارة زيادتها كل يوم مرات ومرات لتهيب جيوب الفقراء وتحرق ماتبقى من قليل الجنيهات التي بها .
ثالثا : غياب الرقابة وضعف العقوبة
نعلم جيداً أن الرقابة تمنع المخالفة ، وأن العقاب يمنع تكرارها ، لكن كان غياب الرقابة سبباً وغياب العقوبة نتيجة ، ربما قد تكون هناك رقابة إذا اشتدت الأجواء سخونة وغليان ، وأسفاً نرى من بعض هؤلاء من يأتي ويخبر المخالف بموعد ضبط المخالفة فيخبر التاجر غيره من التجار ، ويغلق الجميع محلاتهم التجارية حتى لايقع واحد منهم فريسة أو ضحية لما جنى هو آو غيره من إستغلال وبالتالي تكون النتيجة أن يفلت بذكاء من العقاب .
رابعا : عدم وجود التسعيرة الجبرية
هذا السبب جعل كل تاجر يعمل على بيع سلعته كما يشاء بلاقيود يقف عندها ولايتجاوز حدودها فثمنها هو مايراه مناسبا لما قرره من ربح ، فرأينا هذا يبيعها بثمن وذاك يبيعها بثمن غيره مرتفع عنه وغير هذا وذاك يبيع بثمن مختلف ربما يكون أعلى منهما ، رغم أنها سلعة واحدة .
خامساً : إنخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية
نعلم أننا نستورد الكثير من السلع ، الأمر الذي يحتاج لعملة أجنبية لشراء السلع من الدول التي يتم الإستيراد منها ، والتي تكون في أغلب تعاملاتها بالدولار ، ومع إستمرار إنخفاض عملاتنا المحلية جعل ثمن شرائها مرتفعا مما يترتب عليه رفع ثمنها على المستهلك كنتيجة لهذا الإنخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية .
وعن المحور الثاني : وهو دور التجار في غلاء الأسعار
نعلم أن أي سلعة تخضع في تحديد سعر بيعها لعدة عوامل منها : العرض الطلب ، القدرة الشرائية ، والسياسية السوقية والتسويقية وغيرها ، لكن في الفترة الأخيرة رأينا أن الذي يحدد ثمن السلعة هو جهة واحدة وهو تاجر الجملة وفق مايراه مناسبا لها ووفق تصوره عن ماتكون عليه قيمة العملة المحلية مقابل الدولار فيما بعد حيث يبرر الزيادة التي يقترحها على السلعة بإنخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار .
وعن المحور الأخير وهو إقتراح الحلول للتحكم في ضبط الأسعار
1- التسعير الجبري للسلعة المستوردة
علمنا أن سعر السلعة يخضع لعملية العرض والطلب ،لكن عندما نرى أن هناك فئة معينة هي تلك التي تحدد وتتحكم في سعر السلعة دون الإلتفات للعرض والطلب ، وجب التدخل ووضع سياسة واضحة تلزم الجميع بالإلتزام بها وهي التسعير الجبري للسلعة ، على أن يتم ذلك بالإتفاق مع الغرف التجارية ورئيس الشعبة التجارية لوزارة التموين وفق سياسات يتم فيها وضع عدة إعتبارات منها التكلفة وهامش ربح يتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلك من جانب ، وضمان استمرارية المنتج والتاجر والمستور من جانب ، ليصبح هذا السعر في النهاية مناسباً لكل من التاجر والمستهلك، وهذا السعر يكون مطبوعاً وظاهراً ومعلناً عنه على السلعة ومتغيرا بتغير أسعار إستيرادها فيما بعد ، حتى تكون المخالفة خاضعة للرقابة والمحاسبة وبالتالي العقوبة .
2- بالنسبة للسلع المحلية
إنشاء بورصات محلية يتم الإعلان عن سعر شراء وبيع السلعه خاصة مع الخضروات والفاكهة وذلك على غرار بورصات الدواجن لتكون بمثابة تسعيرة يومية لسلع كثيرة ، على أن يكون المسؤل عن ذلك أسواقاً محلية كبرى خاضعة للرقابة من الجهات الأمنية ووزارة التموين والتجارة الداخلية والخارجية وبمشاركة الغرف التجارية أيضا .
3- تفعيل دور جهاز حماية المستهلك ودور الرقابة التموينية
ضرورة عودة الحملات التموينية السرية الرسمية ، على أن يكون من يقوم بها وينفذها في ملابس غير رسمية ، وبدون هواتفهم الشخصية ماعدة رئيس هذه الحملة ، وهذا ليس تشككا في أمانتهم ولكن لغلق أي باب تشير من خلاله أصابع الإتهام التي قد تتهمهم زورا في التقصير في مهام عملهم ، وعلى أن يكون بمقربة من مكان ضبط المخالفة قوات أمنية لكن بزي مدني لمساعدتهم على القيام بالمهمة المنوطة بهم بسرية تامة والمحاسبة الفورية لكل من تسول نفسه أن يقترف أو يصنع المخالفة .
وأخيرا : لنا مع الضمير والدين وقفة
إن الخوف من الله وعقابة في الآخرة يخلق الضمير في الدنيا وفي العمل ، وهذا يجنبنا المخالف التي تأتي من إستغلال للغير وحاجتهم الملحة لضروريات حياتهم ، فلانرى محتاجاً جائعاً يحقد على غني ولاتاجر ، فنصبح بذلك جميعا ممن يخاف الله ونرى مايدور حولنا ونسرع على علاجه والقضاء على أي مشكلة قبل أن تولد ونطفئ شرارة الفتن .
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.