بين الحرفية والعشوائية: دراسة مجتمعية عن توجه الأكاديميين للشعبية
بين الحرفية والعشوائية: دراسة مجتمعية عن توجه الأكاديميين للشعبية
بين الحرفية والعشوائية: دراسة مجتمعية عن توجه الأكاديميين للشعبية
في عالم الإعلام والفن، هناك اعتقاد شائع بأن أصحاب التعليم الاكاديمي يجب أن يقدموا محتوى نخبوياً، لكن الواقع الحديث يكشف عن اتجاه مختلف.
كتبت ماريان مكاريوس
العديد من المثقفين وأصحاب الخلفيات الأكاديمية اختاروا تقديم محتوى شعبي أو عشوائي ظاهريًا، مما يطرح تساؤلات حول دوافعهم الحقيقية. هل هو مجرد بحث عن الشهرة، أم أن هناك أسبابًا أعمق؟
الحاجة إلى التواصل مع مختلف فئات الجمهور
المعرفة لا تكتمل إلا إذا وصلت للجميع. تقديم المحتوى النخبوي وحده قد يبقيه محصورًا في دوائر فكرية مغلقة، بينما المحتوى الشعبي يتيح إيصال رسائل عميقة في قوالب بسيطة. على سبيل المثال، المخرج محمد سامي يستخدم الدراما المشوقة ذات الطابع الشعبي لتمرير إسقاطات مجتمعية ورسائل خفية تصل بسهولة إلى الجمهور العريض.
التمرد على التوقعات المجتمعية
المجتمع يفرض ضغوطًا غير معلنة على المتعلمين لتقديم محتوى جاد، مما يدفع بعضهم إلى كسر هذه القواعد. فالمخرج المتوقع منه تقديم أفلام فلسفية قد يختار العمل على دراما شعبية مليئة بالإثارة. هذا ما فعله باسم يوسف، طبيب الجراحة الذي فضّل تقديم محتوى ساخر شعبي بدلاً من البقاء في إطار مهنته الأكاديمية.
البحث عن مساحة للفوضى الفنية
بينما يقوم التعليم العالي على التفكير المنظم، فإن الإبداع قد يحتاج إلى التحرر من القواعد الصارمة. البعض يرى في المحتوى الشعبي مساحة لاختبار أفكار جديدة. الفنان ديفيد تشو، رغم كونه رسامًا تشكيليًا محترفًا، يتبنى أسلوبًا عشوائيًا في محتواه على الإنترنت كوسيلة للتعبير بحرية أكبر.
التعويض النفسي والتفاعل مع المجتمع
أحيانًا يكون الاتجاه نحو المحتوى العشوائي محاولة لتعويض بيئة أكاديمية صارمة. البعض يشعر بالحاجة إلى التفاعل مع الجوانب العفوية من المجتمع، كما فعل أحمد خالد توفيق، الطبيب الذي اختار كتابة روايات رعب بأسلوب بسيط ومباشر يخاطب الشباب والبسطاء، بدلاً من الأدب النخبوي التقليدي.
رأي علم الاجتماع: تحولات الثقافة الجماهيرية
من منظور علم الاجتماع، يرى بيير بورديو أن التمييز بين الثقافة النخبوية والشعبية مرتبط برأس المال الثقافي، حيث يميل الأكاديميون عادةً إلى تفضيل المحتوى الذي يعكس مكانتهم الفكرية. لكن مع التطورات الإعلامية، أصبح الخط الفاصل بين الثقافتين أكثر مرونة، مما سمح للمثقفين باختراق المجال الشعبي دون فقدان قيمتهم الرمزية.
عالم الاجتماع ريتشارد بيتس يشير إلى أن تحول الأكاديميين نحو المحتوى الشعبي قد يكون جزءًا من “التفاوض الثقافي”، حيث يسعون إلى الحفاظ على تأثيرهم وسط التغيرات السريعة في أنماط الاستهلاك الثقافي. في المجتمعات الحديثة، أصبح المحتوى الشعبي منصة أساسية لتوجيه الخطاب العام، ما يفسر اتجاه العديد من المفكرين نحو استخدام أساليب بسيطة للوصول إلى جمهور أوسع.
العشوائية من زاوية أخرى: هل هي استراتيجية مقصودة؟
في بعض الحالات، العشوائية ليست مجرد عفوية، بل قد تكون أداة مدروسة لجذب الجمهور. في عصر السوشيال ميديا، أصبحت الفوضى جزءًا من الاستراتيجيات الإعلامية، حيث يتم استخدام الأسلوب العشوائي لكسر النمط التقليدي وجذب الانتباه. بعض صناع المحتوى يستخدمون العشوائية كوسيلة ذكية لخلق الإثارة والتفاعل، مما يزيد من وصولهم وتأثيرهم.
حتى في الفنون، نجد أن بعض الفنانين الكبار استخدموا العشوائية كمنهج، مثل سلفادور دالي، الذي دمج الفوضى بالمنهجية لإنتاج أعمال ذات عمق فلسفي رغم طابعها السريالي غير المنظم ظاهريًا.
الشهرة والانتشار كدافع استراتيجي
المحتوى الشعبي أكثر قدرة على تحقيق الانتشار، وهذا أحد العوامل التي تدفع بعض المثقفين لتبنيه. في عصر الإعلام الرقمي، أصبح الوصول إلى الجمهور هدفًا رئيسيًا لأي صانع محتوى، سواء كان مخرجًا سينمائيًا أو مؤثرًا على وسائل التواصل الاجتماعي. أحيانًا يكون اختيار المحتوى العشوائي قرارًا مدروسًا، يهدف إلى توسيع نطاق التأثير بأسلوب غير مباشر.
بين الفن والعشوائية: هل هناك تعارض حقيقي؟
المحتوى الشعبي ليس بالضرورة دليلًا على السطحية، بل يمكن أن يكون أداة ذكية لتوصيل أفكار عميقة بطريقة بسيطة. حتى ألبرت أينشتاين، رغم عبقريته العلمية، كان يظهر بروح مرحة وعفوية، كوسيلة لتحطيم الصورة النمطية للعالم الجاد.
لماذا يتجه بعض المثقفين نحو العشوائية؟
لأنهم يدركون أن المحتوى الشعبي قد يكون أكثر تأثيرًا من النخبوي.
لأنهم يجدون متعة في التواصل مع الناس بأسلوب بسيط.
لأنهم يرفضون الصورة النمطية للمثقف الجاد.
لأن البساطة، في بعض الأحيان، هي أذكى طريقة لتوصيل الأفكار العميقة.