حكاية “يا خراشي”

حكاية “يا خراشي”

 

كتبت: وئام أحمد إمام

توجد ألفاظ كثيره تتردد علىٰ ألسنتنا دون أن نعرف معناها ودون أن ندري أن هذه الألفاظ لها أصل تاريخي، ومن هذه الألفاظ كلمة “يا خراشي”، والتي إن لم نكن ممن يقولونها فبالتأكيد قد سمعناها كثيرًا، فهل سأل أحد منا نفسه يومًا عن معنىٰ هذه الكلمة؟ أو عن المناسبة التي قيلت فيها هذه الكلمة لأول مرة؟ والتي أصبحت من وقتها منتشره وملازمة لنا كمِصريين دونا عن سائر البلدان الأخرى.

 

أصل كلمة “يا خراشي”

كلمة يا خراشي، تنسب للشيخ الخراشي أو الإمام الشيخ أبو عبدالله محمد بن جمال الدين عبدالله بن علي الخراشي المالكي، الذي ولد عام ١٦٠١م.
وسمي بالخراشي نسبة إلىٰ قرية أبو خراش التابعة لمركز شبراخيت محافظة البحيرة، والذي تم اختياره ليكون أول شيخ للأزهر الشريف عام ١٦٧٩م.

فرمان السلطان العثماني:-

ثم أصدر السلطان العثماني فرمانًا بأن يكون للأزهر الشريف شيخ وإمام أكبر يتولىٰ الإشراف علىٰ شئون الأزهر الدينية والإدارية ويختاره علماء الأزهر من بينهم ويلقب بشيخ الإسلام، وذلك تقديرًا وتكريمًا وتعظيمًا وتشريفًا لدور الجامع الأزهر الشريف، الذي كان دوما بمثابة القبلة الدينية للعالم العربي والعالم الإسلامي، كما كان منذ يومه الأول جامعة درست العلوم الدينية وحافظت علىٰ القرآن الكريم واللغة العربية.

 

شهرته واستغاثة الضعفاء به:-

وكان الشيخ الخراشي مشهورًا بالعلم والفقه حيث كان حجة في الفقه المالكي، كما اشتهر بالتقوىٰ والورع وكان يتقرب إلىٰ الله دومًا بالعلم وخدمة الدين، وكان ينتصر للحق ولا يخاف الظلم ولا الظالم مهما كان بطشه أو كانت قوته.

لذلك كانت استغاثة ضعفاء المِصريين وقولهم: “يا خراشي” هي النداء الشعبي لشيخ الأزهر الشريف وقتها، كي ينصرهم ويرفع الظلم الواقع عليهم من الحكام ومن الجائرين عليهم، فبمجرد النداء عليه بكلمة “يا خراشي” كان الشيخ يهب لنجدة المستغيث به والإتيان له بحقه ممن ظلمه، وكان في ذلك دلالة علىٰ قوة الجامع الأزهر وشيخه ومكانتهما في ذلك الوقت.

 

تفقهه في العلم:-

وقد تلقىٰ الشيخ الخراشي العلم علىٰ يد نخبه من العلماء والأعلام، منهم والده الشيخ جمال الدين عبدالله بن علي الخراشي، والمشايخ اللقاني واالأجهوري والشامي وغيرهم، كما درس العلوم الدينية واللغوية والتاريخ، ودرس علوم السيرة والعلوم النقلية كالمنطق وعلم الكلام.

والجدير بالذكر أنه كان من تلاميذه بعض شيوخ الأزهر الذين تولوا منصب شيخ الجامع الأزهر فيما بعد، مثل الشيخ عبدالباقي القليني والشيخ إبراهيم موسىٰ الفيومي.

 

أهم مؤلفاته:-

والشيخ الخراشي عالم كبير كان يوصف بأنه واسع العلم متنوع الثقافة خاصة في تفسير القرآن الكريم والفقه علىٰ مذهب الإمام مالك بن أنس، ومن كتبه ومؤلفاته التي أثرىٰ بها المكتبة الإسلامية: رسالة في البسملة، والشرح الكبير علىٰ متن خليل في فقه المالكية في ثمانية مجلدات، ومنتهىٰ الرغبة في حل ألفاظ النخبة، والفرائد السنية في حل ألفاظ السنوسية، والأنوار القدسية في الفرائد الخراشية.

 

سيرته العطره:-

تولىٰ الشيخ الخراشي منصب شيخ الأزهر، وكان عمره حينئذ ثمانين عامًا، وقد استمر في منصبه كشيخ للأزهر حتىٰ توفي، وكان طوال عمره حسن السمعة ينتصر للحق يهابه كل من يراه، كما كان قريبًا من الناس يقضي مصالحهم ويتشفع لهم في كل أمر أهمهم، حيث عُرف عنه أنه كان يفتح أبوابه لكل مظلوم، وكان الناس ينادون باسمه “يا خراشي” كلما تعرضوا لأمر جلل، أو أصيبوا بكارثة أو لحقت بهم أي مظلمة.

 

وفاته:

وقد عاش فضيلة الشيخ الخراشي حياته معروفا بالتواضع ودماثة الخلق وكرم النفس، كما عرف عنه الزهد والتقشف، وظل هكذا طوال عمره، حتىٰ رحل عن الدنيا عام ١٦٩٠م، ويوم وفاته خرج المِصريون لوداعه وتشييعه لمثواه الأخير، حيث ازدحموا في جنازة مهيبة لم ير لها مثيل من قبل، ودفن مع والده وسط قرافة المجاورين.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.