عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى 

مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

يقول الله عز وجل :

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

آل عمران

فأمر سبحانه وتعالى بالاجتماع والائتلاف ونهى عما كانت عليه الأمم الأخرى من التفرق والاختلاف، فالاجتماع خير ونعمة، ورحمة وعصمة، والفُرقة هلاك وعذاب، وشقاء وتناحر، وتخاصم وتقاتل، وعداوات وثارات، وفتن وفوضى، وسفك دماء وقطع طريق.

وقال الله تعالى:

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

سورة الأنعام

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :

أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن
الاختلاف والفرقة .

تفسير ابن أبي حاتم

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.

رواه الترمذي

وقال عليه الصلاة والسلام :

إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال .

رواه مسلم

وقال الإمام القرطبي:

أوجب الله تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه، والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف .

والاجتماع والتآلف له أسباب ووسائل :

فمن الوسائل الشرعية لتحقيق الاجتماع:

النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فمتى قام المجتمع على هذه الأسس عاش عيشة راضية حميدة، ومات مِيتةَ حقٍّ سعيدة .

فعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

[رواه مسلم]

قال أهل العلم: هذا الحديث على اختصاره جامع لمصالح الدنيا والآخرة.

فأما النصيحة لله:

فهي إخلاص العبادة له وحده لا شريك له، والشهادة له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وصدق القصد في طلب مرضاته، بأن يكون الإنسان عبدا لله حقيقة راضيا بقضائه، قانعا بعطائه، متمثلا لأوامره، مجتنبا لنواهيَه، مخلصا له في ذلك كله، لا يقصد به رياء ولا سمعة

وأما النصيحة لكتاب الله:

فهي تلاوته، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، والذب عنه، وحمايته من تحريف المبطلين، وزيغ الملحدين، واعتقاد أنه كلام رب العالمين، تكلم به وألقاه على جبريل، فنزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما النصيحة لرسول الله:

فهي محبته واتباعه ظاهرا وباطنا، ونصرته حيا وميتا، وتقديم قوله وهديه صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد وهديه.

وأما النصيحة لأئمة المسلمين:

فهي إرشادهم لما فيه خير الأمة في دينها ودنياها، ومساعدتهم في إقامة ذلك، والسمع والطاعة لأوامرهم ما لم يأمروا بمعصية الله .

وأما النصيحة لعامة المسلمين:

فهي أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وأن تفتح لهم أبواب الخير وتحثهم عليها، وتغلق دونهم أبواب الشر وتحذرهم منها، وأن تبادل المؤمنين المودة والإخاء، وأن تنشر محاسنهم، وتستر مساوئهم، وتنصر ظالمهم بمنعه من الظلم، وتنصر مظلومهم بدفع الظلم عنه.

ومن النصيحة لعامة المسلمين:

تحذيرهم من الوقوع في الشرك والبدع، وحثهم على توحيد صفوفهم ضد التيارات المنحرفة الطاعنة في الإسلام والمشككة في ثوابته.

ومن النصيحة للمسلمين:

  • أن يتبادلوا الرأي والمشورة في أمورهم العامة، ويتبعوا ما هو الأنفع والأبعد ضررا، وأن لا ينظر الإنسان إلى مصلحته الخاصة مع إهدار المصالح العامة، وليس من النصيحة إذا اختلف الناس في رأي، أن يجعل من هذا الاختلاف منطلقا للتفرق والعداوة، وقدح بعضهم في بعض، فإن هذا من عمل الشيطان، إنه عدو مضل مبين، إن الشيطان حريص كل الحرص أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء؛ لأن ذلك من أكبر الأسباب لضياع مصالح الدين والدنيا.

ومن الوسائل الشرعية لتحقيق الاجتماع :

إصلاح ذات البين، والسعي في تليين القلوب وحسم الخلاف، على مستوى الأفراد والأسر، والقبائل والمدن، فإصلاح ذات البين هو عنوان الإيمان، ومصدر الطمأنينة والهدوء، ومبعث الاستقرار والأمن، وينبوع الألفة والمحبة .

قال الله تعالى:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}

سورة الأنفال

وقال سبحانه :

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}

[الحجرات]

وقال عز وجل :

{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ
بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا}

النساء

فأمر الله سبحانه بالصلح والإصلاح بين الناس، وجعل لذلك أجرا عظيما، فالواجب على كل المتخاصمين أن يسعوا للصلح ويقبلوا به، وأن يقدموا بعض التنازلات من أجل إتمامه، فالخصومات والنزاعات تهلك الشعوب، وتسفك الدماء، وتُبدد الثروات .

والله عز وجل يقول:

{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}

سورة النساء

وسبل الصلح والإصلاح كثيرة، وميدانه واسع عريض؛ في الأفراد والجماعات، والأزواج والزوجات، والقبائل والطوائف، والفئات الباغية والعادلة، في الأموال والدماء والأعراض، والنزاع والخصومات، وهو ليس مهمة الأنبياء والرسل فقط، بل مهمة كل مسلم غيور على دينه ووطنه، فكل مسلم يُطلب منه أن يساهم بما يستطيعه من الصلح والإصلاح، ووجود من يقوم بذلك في الأمة أمان لها من العذاب.

قال الله تعالى :

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}

سورة هود

فأخبر الله سبحانه أنه ما كان ليهلك قرية من القرى إذا كان أهلها صالحين مصلحين في الأرض، مجتنبين للفساد والظلم، ساعين لرفع الظلم عن كل مظلوم.

علينا أن نكون كما وصف الله به المؤمنين، إخوانا في المحبة، أعوانا في الحق.

ومن الوسائل الشرعية لتحقيق الاجتماع:

تصحيح العقيدة، بحيث تكون سليمة من الشرك، قال الله تعالى:

{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}

سورة المؤمنون

فالعقيدة الصحيحة تؤلف بين القلوب، وتزيل الأحقاد، وأما الشرك فهو أعظم موجبات الفرقة والاختلاف .

قال الله تعالى:

{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا}

[الروم]

والشرك يا عباد الله: هو أعظم ذنب عُصي الله به .

ففي صحيح البخاري أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سأل النبي ﷺ فقال: أي الذنب أعظم عند الله؟
قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك.. الحديث،

وقال رسول الله ﷺ :

ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟

قالوا: بلى يا رسول الله، قال:

الإشراك بالله .. الحديث

رواه البخاري

واعلم أخي المسلم قول الله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ}

سورة الحجرات

وقول رسول الله ﷺ:

مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

رواه البخاري

فكانوا متكاتفين مثل الجسد الواحد، ومثل البنيان المرصوص، فقويت وحدتُهم، واتفقت كلمتُهم وسيكونون كذلك في جميع شؤونهم.

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.