قصة من الزمن الجميل
….
كتبت / غادة العليمى
حدث من زمن بعيد ان توقفت البطولات المحلية لكرة القدم في مصر بسبب نكسة ٦٧ ولمدة ٦ سنوات ، ولم تعود الا بعد سنة ١٩٧٣ …
وكانت آخر مباراة حصل فيها النادي الأهلي على الكأس عام ١٩٦٦ …
وبمناسبة العودة ، فكر مجلس إدارة النادي الأحمر في أن يستهل موسمه الرياضي بإقامة حفل غنائي داخل حديقة النادي ، يشهده جمهور الأهلاوية ، وتنقله الإذاعة والتلفزيون على الهواء …
إهتدى تفكير المجلس إلى الفنانة شادية ، لإحياء هذا الحفل ، والتي رحبت بقوة واعتبرته وسامًا على صدرها ، أن تغني لهذا الجمهور العريض من مشجعي النادي في كل مكان …
وتقديرًا منها رأت أن تمنح النادي لحنًا جديدًا لملحن جديد ، وهو ضابط القوات المسلحة الموهوب موسيقيًا – الفنان خالد الأمير …
وكانت له عدة ألحان سابقة ، منهالحن أغنية (وحشني كلامك) غناء مها صبري ، وكان للأغنية صيت كبير …
تحدثت شادية مع مأمون الشناوي ، وطلبت منه الاتصال بخالد الأمير ، وكان الشناوي بصحبة كمال الملاح ، الذي أثنى على هذا الاختيار ، واتصلا بالأمير ، وحددا معه موعدًا لمقابلة الفنانة شادية …
وتم اللقاء في شقتها بالجيزة ، بعمارة شفيق أمام حديقة الحيوان ، ورحبت به كثيراً ، وكان الامير سعيداً جداً وهو يلحن لها ، وهو الذي يعتبر صوتها من احلى الأصوات التي سمعها …
وفي اثناء اللقاء الذي استمر لساعات ، طلبت من خالد أن يفكر في جملة غنائية ، تكون مدخلاً للاغنية المطلوبة ، واهتدى تفكيره إلى كلمة (اتعودت عليك) ، ودار نقاش بينهما حول المضمون والمعنى الذي يدور حوله هذا العنوان …
وعرضت عليه أن تتصل بالشاعر الذي يكمل لها الأغنية بناءاً على العنوان ، ورحب خالد الأمير ، خاصة عندما عرف منها أن من سيكمل الكلمات هو الشاعر الغنائي عبد الوهاب محمد ، وتم الاتصال به في نفس الجلسة ، وطلبت منه شادية الحضور في وقته وألا يتأخر …
ولم تمض نصف ساعة حتى حضر عبد الوهاب محمد ، وعرضت عليه شادية تفاصيل الموضوع ، وأمهلته ثلاثة أيام لكتابة الاغنية …
وفي خلال يومين فقط ، كان عبد الوهاب محمد قد أنتهى من الأغنية ، وحضر إلى منزلها خصيصًا ليسمعها الكلمات ، وأعجبت بها شادية إعجاباً شديداً ، لتتصل شادية بخالد ، الذي علم منها كل شئ ، واستلم منها الأغنية ، واعتكف في شقته لمدة يومين ، ليعود إليها وهو يزف نبأ انتهاء اللحن ، والذي سجله بصوته على شريط كاسيت …
وفي جلسة مطولة غنت شادية مع خالد الأمير الأغنية بالمذهب والكوبليهات ، وكانت في قمة فرحتها …
وفي اليوم التالي استدعت شادية الفنان عبد العظيم حليم قائد فرقتها الموسيقية إلى شقتها ، ومعه أحد الموسيقيين المتخصصين في كتابة النوتة الموسيقية ، وبدأت شادية مع خالد الأمير وكاتب النوتة وعبد العظيم حليم في الغناء والبروفات …
اتعودت عليك يا حبيبي …
اتعودت عليك …
وبقيت ملك ايديك يا حبيبي …
بقيت ملك ايديك …
اتعودت الحنان وشعوري بالامان …
زي الطير ما اتعود عشه …
اتعودت عليك …
وامتدت السهرة حتى وقت متأخر من الليل ، وفي صباح اليوم التالي ، فوجئت بجرس الهاتف يدق ، وكان مجلس ادارة النادي الاهلي يريد معرفة موعد الحفل ، وأنه لا يمكن فتح باب التذاكر للحفل وإقامته ، إلا بعد استعدادها التام …
طمأنتهم الفنانة شاديه ، وقالت إنه خلال عشرة ايام ، سوف يكون كل شئ جاهز تمامًا …
وفي المساء استقلت الفنانة شادية سيارتها إلى معهد الموسيقى العربية ، ودخلت لتعيد المذهب مرة أخرى وفقًا للنوتة الموسيقية الموضوعة أمام كل عازف ، وفوجئت شادية بشاب وسيم من أعضاء الفرقة ، يمسك بآلة جديدة ، ويقف ليعزف لها جملة موسيقية في مذهب الأغنية ، وحين سألت عن اسمه ، عرفت أنه الضابط الطيار محمود ذهني …
وما ان نشر كمال الملاح خبر إحياء شادية لحفل النادي الاهلي ، حتى تدفقت جماهير النادي على شباك بيع التذاكر خلال يومين لتنفذ تمامًا …
وتجلى صوت شادية في البروفات لتكمل الأغنية …
انت ما كنتش بالنسبالي حبى الغالى …
انت حياتي وربيع عمري وكل أمالى …
انت سمايا اللي بتحميني …
انت النيل اللي بيرويني …
وانا منك منك وإليك …
زي الطير ما اتعود عشه …
اتعودت عليك …
آه يا منايا يا كل رجايا من دنيايا …
انت لوحدك بين العالم عندي كفايه …
عالم تاني بشوفه فقربك …
دنيا جديده بعيشها فحبك …
زي الطير ما اتعود عشه …
اتعودت عليك …
كانت البروفة النهائية في مسرح الأهلي ، وتمت بعد وضع النادي كل الترتيبات ، وأغلقت كل الجوانب المحيطة بالقاعة والمسرح حتى لا يتسلل الجمهور ، وحرصًا منها طلبت شادية من صوت القاهرة – المسئولة عن تسجيل الإغنية – تسجيلها في استوديو ٤٦ ، وتم بالفعل بالإضافة لتسجيل الحفل خارجياً ، وتكتمت شادية على الامر ولم تنشر كلمات الاغنية او اي شئ ممكن ان يفسد مفاجأتها …
وطلب موسيقار الشرق بليغ حمدي من شادية ، أن يسجل لها الإغنية من شقتها ، لتسمعها بعد عودتها ، ولم يكن بليغ قد التقى بخالد الأمير من قبل ، ولكنه كان قد سمع بنجاحه مع مها صبري ، خاصة وأن بليغ سبق وأن لحن للفنانه مها صبري اغنية (ما تزوقيني يا ماما) من كلمات عبد الرحمن الخميسي …
وطلبت شادية من خالد ايضاً ان ينتظرها في شقتها للاستماع الى الاغنية من هناك ، وبعد ان بدأ الغناء ، وضغط بليغ على زر التسجيل في الريكورد ، فوجئ بجرس الباب يدق ، وبضيف يدخل ليجلس في الصالون ، وانتظر الاثنان لا يكلمان بعضهما حتى تنتهي شادية من الغناء ، إلى أن عادت شادية ، واستقبلها بليغ مهنئأ لها بنجاح الاغنيه ، وسألته عن رأيه في اللحن ، فأشاد به بليغ وباختيارها ، وطلب منها هاتف الملحن ، ليقوم بتهنئته ايضًا ، وانتبهت شادية ان بليغ لم يكتشف شخصية الشاب الموجود في الصالون ، وغرقت في موجة من الضحك ، وأشارت إلى خالد الأمير قائلة : هو ده الملحن خالد الأمير …
وعادت شادية إلى استوديو ٤٦ لاستكمال مونتاچ الأغنية مع مهندس الصوت ، ومعها الموسيقار الشاب خالد الأمير ، وطلبوا منها إعادة تسجيل الأغنية لشركة صوت القاهرة ، وتمت طباعة آلاف الاسطوانات لطرحها للبيع ، وتم تسجيل الإغنية بزاويتين ، الاولى بتصفيق الجمهور ، والثانية بلا تصفيق ، ليختار المستمع ما يشاء …
وهنا دخل مندوب الشركة ، وطلب من خالد الأمير أن يوقع على استلام ٢٠ جنيهاً ، قيمة أجره عن تلحين الأغنية ، ووقع الأمير ، وقام ليسأل عن الطلبات التي شربها ، ليجدها ٢٥ جنيها ، ويدفع الأمير ما أخذه في المقابل ، ويزيد عليه خمسة جنيهات …
وهكذا كان أجر الملحن عن الأغنية ، فيما كانت قيمة ما أخذه عبد الوهاب محمد عن كتابة الكلمات هو عشرة جنيهات فقط لاغير ، وذلك حسبما ذكر الشاعر مصطفى الضمراني في كتابه (حكايات وراء الأغاني) …
هذا هو زمن الفن الجميل ، الذي اعطي كل جميل ، وكان كل واحد منهم يفرح لنجاح الأخر ، كما كان احساس موسيقار الشرق بليغ حمدي الذي فرح بنجاح اغنية شاديه ، والتي ليست من الحانه ، وكان حريصاً علي ان يهنئها بهذا النجاح هي والملحن الشاب خالد الامير ، الذي لحن الاغنيه علي احسن ما يكون .…