الرجل الذي فقد قلبه فعانقه النضج.. مروان موسى يخلط الإمتاع بالصدق والتنوير بعد زمن التوهج

مروان موسى يكشف أسرار ذاته بألم وشفافية: ألبوم "الرجل الذي فقد قلبه" شهادة نضج وفن خالد

استمعت إلى ألبوم مروان موسى، الذي يضم 23 تراكًا، تتحد جميعها تحت خيط موضوع واحد هو الاكتئاب، إذ يعكس الألبوم المراحل الخمس للحزن: الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، ثم القبول.

بقلم : الشاعر الغنائي حسام طنطاوى

الشاعر الغنائي حسام طنطاوى
الشاعر الغنائي حسام طنطاوى

استخدم مروان موسى حوارَه الجانبي مع طبيبته النفسية كعنصر رابط بين تراكات الألبوم، إلى جانب جملة متكررة في جميع المقاطع، وهي: “حاول تفتكر”. ويبدو أن مروان يقصد من خلالها دعوةً لاستعادة الذات الحقيقية، وتذكُّر الهدف الأصلي، وتجاوز كل ما أربك المسار وتسبّب في فقدان البوصلة الداخلية.

اقرأ أيضاً: عصام حسني: نعاني من فقر الألحان.. وأكثر المطربين كلمة مطربين كتيرة عليهم

قُسِّمت تراكات الألبوم وفقًا لمراحل الحزن الخمس، حيث تضم كل مرحلة مجموعة من التراكات تعبّر عنها، ويتّضح ذلك للمستمع من خلال تعليقات الطبيبة النفسية، التي تسبق كل تراك، إذ يقدم كل مقطع باعتباره لحظة بوح صادق وجلسة مصارحة نفسية بين الفنان و طبيبته النفسية.

مروان موسى يحول الحزن إلى فن: ألبوم يصفع زمن السرعة و يُعرّي قسوة العالم:

مرّ مروان موسى بحالة من الاكتئاب إثر وفاة والدته ذات الأصول الألمانية، بالتزامن مع أحداث غزة، التي تركت أثرًا بالغًا فيه، وهو ما عبر عنه في أكثر من تراك من خلال تعليقاته المتكررة على قسوة العالم والنظام العالمي الجديد.

استغرق العمل على الألبوم قرابة عامين حتى خرج إلى النور بهذا الشكل المتقن، وهو جهد يستحق الإشادة، خاصة في زمن تسوده ثقافة “التيك أواي” و”الريلز” السريعة، والفنون المعلبة قصيرة المدى.

اقرأ أيضاً: في قلبي وطن لم يُكتشف بعد

مروان موسى خلع قناع الراب وحول الحزن إلى وعي والفن إلى صرخة ضد تحويل الفنان إلى منتج استهلاكي 

أظهر مروان موسى نضجا ملحوظا في أسلوب الكتابة، ولا شك أن الحزن يمنح الإنسان شفافية خاصة تُعمّق نظرته إلى العالم وتجعله أكثر وعيا وشمولية.

تحدث مروان في هذا الألبوم، عن ذاته، متناول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وما خلفته من آثار سلبية، حيث غذّت في النفوس أوهام العظمة و النرجسية المفرطة.

كما تناول واقع ساحة الراب، منتقدًا تركيز بعض الرابرز على “التراكات الضاربة” على حساب الجودة الفنية والرسالة الجوهرية التي انطلقوا من أجلها أصلًا.

وتطرق أيضًا إلى مسألة تحويل الفنان إلى منتج استهلاكي في أيدي الشركات، دون مراعاة لكونه إنسانًا من لحم ودم، يحمل مشاعر وهشاشة لا يمكن اختزالها في أرقام و مشاهدات.

مروان موسى يخسر رهاناته في كل مرة انحاز فيها إلى جانب الخير:

تحدّث مروان موسى عن النظام العالمي الجديد، الذي حوّل البشر إلى دُمى ماريونيت تُحرّكها خيوط خفية لا يملكون السيطرة عليها.

كما عبّر عن صراعه الداخلي بين الخير والشر، موضحًا كيف خسر رهاناته في كل مرة انحاز فيها إلى جانب الخير، لكنه، حين أنهكته المقارنة والتفكير، وجد راحته الحقيقية في ترك قلبه يقوده دون مقاومة.

مروان موسى يعرّي الشهرة ويدفن نصفه الغربي.. اعترافات فنان تمزقه الجذور وتخونه الأضواء:

تحدّث مروان موسى عن وداعه المؤلم لنصفه الألماني الذي فقده إلى الأبد برحيل والدته، والتي كانت تمثّل الرابط الوحيد بينه وبين العالم الغربي. ورغم هذا الارتباط العاطفي العميق، أكّد أن هويته المصرية المتجذّرة هي الغالبة عليه، مشيرًا إلى رفضه التام للزيف والافتعال، وتمسّكه الأصيل بجذوره الشرقية، بعاداته وتقاليده، دون أن يتناقض ذلك مع حبّه الكبير لوالدته.

مروان موسى يعجز عن التمييز بين من احبته لشخصه الحقيقي، ومن تنجذب إلى بريق اسمه وثروته:

كما تناول مفهوم الحب من زاوية أكثر وجعًا، كاشفًا عن كراهيته للشهرة التي طالما سعى إليها، ثم اكتشف قسوتها حين بلغها، إذ بات عاجزا عن التمييز بين من تحب شخصه الحقيقي، ومن تنجذب إلى بريق اسمه وثروته، عبّر عن خيبته من تلك الشهرة التي بدت له في النهاية قيدًا خانقًا، لا حلمًا يستحق الركض وراءه.

اعترف مروان موسى بأخطائه ومسيره خلف وساوس الشيطان في مرحلة من مراحل حياته، وجلد ذاته بشدة حين شعر أن اكتئابه بدأ يفقد الكثير من الناس حوله.

إنّ قمة النضج والسلام النفسي تكمن في مواجهة الذات بلا تزييف أو مواربة، فكيف إذا كان هذا الكشف يتم أمام ملايين المشاهدين، حيث يُظهر عيوبه ومميزاته وأسراره بكل شفافية وشجاعة لا تُضاهى؟ شخصيًا، أكنّ له غبطتي على هذه الجرأة الصادقة.

يُقال إنّ ازدياد الأسرار يُضاعف الأعباء النفسية، لكن مروان حرّر نفسه من خلال البوح بكثير من تلك الأسرار، بعضها سيفهمه جمهوره الآن، وبعضها الآخر سيتضح له مع مرور الوقت وبلوغ مراحل عمرية أعمق.

ومما لا شك فيه أن ألبومه “الرجل الذي فقد قلبه” سيظل قطعة فنية أصيلة، تنبض بالصدق، وستظل حاضرة لأعوام طويلة، بعيدًا عن نوعية الفن السريع الزوال الذي لا يتجاوز عمره شهراً واحداً.

أود في الختام أن أتقدم بالشكر الجزيل لمروان موسى، الذي ألهمني ورفع من وعيي، وقدم لي مفاتيح جديدة لفهم ذاتي بشكل أعمق. يضم الألبوم تعاونات مميزة مع فنانين بارزين مثل ليجى سي، وعفروتو، وكريم أسامة، ودنيا وائل، والوايلي، بالإضافة إلى الفنان السوداني حليم تاج السر.

أنصحكم بشدة بالاستماع إلى هذا الألبوم الرائع.

في المقال القادم، سأستعرض أهم تراكات الألبوم مع تحليل مفصل للكلمات والموسيقى.

محدثكم من تحت الأرض.. حسام طنطاوى

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.