نار التجسس

نار التجسس

 

بقلم/ د. عبد الولي الشميري

 

حدثني وهو حزين لما جرى له من أزمات عائلية وطلاق وخراب لبيته وشتات لأسرته وتناحر بين أقاربه، والأهم من ذلك أنه أصبح يحمل صدرا مليئا بالكراهية وقلبًا مشحونا بالحقد ولسانًا لا يتحدث بغير اللعنات كل ذلك لماذا؟ لأنه ولأنها كانا يتجسسان على كل مكالمات الهاتف ويتداخلان في الخطوط الهاتفية، وكل واحدٍ لا يعلم شيئًا عن الآخر حتى سمع ما يقال عنه، وسمعت كل ما تكره، وماذا يقول عنها مع الناس، وحتى الأرحام والأهل طالتهم نار التجسس وهدمت كل شيء بنته سنوات الحب والمودة، وتشتت الأبناء والبنات، وأغلقت الدار التي لطخت جدرانها بالدماء، وبدأت رحلة المعاناة الحقدية؛ ومن هنا أدعو كل الغيورين، كما أدعو أهل الفضول وعشاق التجسس على الهاتف إلى تجنب هذا الخطر، والقبول والرضا بالستر الذى منحنا الله إياه بأن جعل السمع والبصر في الدنيا في حدود ما يحتاج الإنسان، لمصالحه وتجريده من كل ما يعود عليه بالضرر وترك ذلك ليوم القيامة والدار الآخرة، إذ يقول الله تعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ ق : 22] .
وأدعو أيضًا الأنظمة العربية وأجهزتها الأمنية أن تتأمل جيدا في أسباب خصومتها الدائمة وأزماتها المتفاقمة مع السواد الأعظم من أبناء شعوبها، وأن تدرس بتأنٍّ مبررات العدواة والبغضاء مع الأفراد مع الأسر، مع العشائر، مع الأحزاب، مع الشخصيات البارزة لماذا؟ هل كل تلك الخصومات والعداوات لصالح البلد والنظام أم معظمها غير صائب، ودافعه وأسبابه تحمل هموم الوشايات والاستماع لألسنة المتجسسين غير الأمناء، حتى ولو كان الجاسوس أمينا لمهنته، لكن هل كل من قال قولا بلسانه ولم يفعل يعتبر مستحقا للعقوبة والعداوة والإجهاز عليه؟ لماذا حققت المجتمعات الغربية مزيدا من الأمن السياسي والاستقرار؟
ولعل مشكلة أوضاعنا العربية وتناحرها الدائم فيما بينها وبين الكثير من شعوبها، سببه الآذان الخلفية والعيون السرية التي لا تُبلغ إلا كل ما يؤذى القلوب والصدور، ومن هنا لا أرى فى الشخص الحريص على التتبع والتجسس سواء كان فردا مسئولاً، أو حاكما أو رجلاً أو امرأة؛ إلا ضعفاً وتخوفا وحبا لإضافة قلق وهم إلى صدره.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.