ناصر والجيش المصري قدموا إعتذار لأبي!!

جريده اسرار المشاهير

يقدمها: محمد عبدالقدوس
متابعه  رشا يوسف 

من حقك أن تصيبك الدهشة من عنوان هذا المقال ، وقبل أن تقول على عنواني أنه على سبيل الفرقعة والمبالغة الصحفية، ولم يحدث في الواقع!! وهل معقول أن “ناصر” رحمه الله قال لوالدك “أنا آسف”, وهو بالتأكيد لم يعتذر لأي إنسان منذ أن وصل إلى السلطة ، وكمان أنت حشرت الجيش المصري كله في هذا الموضوع فما صلته بهذه القصة كلها ؟؟

وأقول لحضرتك من فضلك أقرأ هذا المقال إلى نهايته وسترى أنه صحيح تماماً.. وبعيداً عن أي فرقعة أو مبالغات صحفية.

وأبدأ الحكاية من أولها.. هذه القصة حدثت في سبتمبر من عام ١٩٥٤ يعني من ٦٩ سنة بالتمام والكمال ، كان حبيبي أبي قد خرج من السجن في يوليو من نفس العام أي قبل شهرين من تلك الواقعة التي تدخل في دنيا العجائب.. والجدير بالذكر أنه تم إعتقاله في أبريل من هذا العام المشئوم بعدما كتب مقالا ناريا عن مجلس قيادة الثورة يتهمه بالديكتاتورية والإستبداد وحكم البلاد والعباد على طريقة المنظمات السرية!!
وطالبهم بأن يحكموا مصر بطريقة علنية!!
ولم يمكث في السجن الحربي سوى ثلاثة أشهر فقط ، والسبب أن مجلة “روزاليوسف” كانت محل تقدير وإحترام من الضباط الأحرار.. وهي التي مهدت للثورة.. كانت مجلة متخصصة من أولها إلى آخرها لكشف فساد النظام الملكي والبشوات، وأشتدت جرأتها بعدما تعرف حبيبي أبي على العديد من الضباط الأحرار مثل “أنور السادات وجمال عبدالناصر وخالد محي الدين”.. ويمكنك أن تقول أن المجلة كانت لسان حالهم!!

والجدير بالذكر أن “إحسان عبدالقدوس” هو الوحيد من المدنيين الذي تم إستدعاءه الى القيادة العامة فور سيطرة الجيش عليها بأعتباره من أقرب المقربين إلى الضباط الأحرار وليس لأنه صحفي.. وقد أقترح عليهم اسم “علي ماهر” باشا رئيسا لأول وزارة يتم تشكيلها بعد الحركة المباركة كما سميت في البداية! وتم الأخذ برأيه وتكليفه بالذهاب إلى بيته وإقناعه بتأليف الوزارة ، وكان في صحبته “أنور السادات وكمال الدين حسين”.. وربنا يرحم الجميع.

وبعد خروج أبي الحبيب من السجن حرص “ناصر” على التودد إليه يدعوه إلى الإفطار والعشاء في منزله من حين لآخر.. وغرضه إزالة الزعل! وعودة العلاقات بينهما إلى طبيعتها ، لكن ذلك لم يحدث ، فقد كان “سانو” وهو أسمه المعروف به بين أصدقائه المقربين ينادي “جمال” قبل أن يحبسه بلقب “جيمي” .. ولكن هذا اللقب أختفى وحل محله “يافندم” مما أثار دهشة “ناصر” وسأله مرة: أمال فين “جيمي”؟؟ فرد “سانو” بتلقائية: “لا دي كانت زمان”.

وبعد شهرين من حبسه فوجئ أبي بما لم يخطر على باله أبدا.. قوة من البوليس الحربي أقتحمت منزله متهماً إياه بالتجسس ، وهناك بلاغ مقدم ضده في هذا الشأن.
ملحوظة:
البوليس الحربي منذ قيام الثورة هو الذي يقوم بالأعتقالات المطلوبة ويتبع قيادة مجلس الثورة مباشرة.
وفي هذا اليوم أرتفع ضغط جدتي “روزاليوسف” بعد سماعها بخبر إعتقال أبنها من جديد.. وكانت بداية لأمراض عدة أنتهت بها إلى الوفاة بعدها بأربع سنوات.

وأنطلقت السيارة الجيب العسكرية إلى السجن الحربي.. وما أن وصلت إلى هناك حتى أستقبله مدير السجن “حمزة البسيوني” بوابل من الشتائم وقلة الأدب قائلاً له: في المرة الأولى كانت هناك توصية من القيادة بمعاملتك معاملة طيبة ، لكن هذه المرة الوضع مختلف!!
وبينما كان “حمزة البسيوني” يواصل حملة الردح وقلة الأدب ضد والدي الغالي رحمه الله دق جرس التليفون في مكتبه!! وأصيب قائد السجن الحربي بالذهول وهو يقول للمتحدث: حاضر يا فندم .. تحت أمرك يا فندم.. ثم ألتفت إلى أبي قائلا: أتفضل يا أستاذ “إحسان” فيه تليفون علشان حضرتك!!
وأصيب أبي بالدهشة من “أستاذ وحضرتك” وهذه اللهجة المهذبة التي كان يتحدث بها بعدما كان يسبه ويلعنه ويهدده قبل دقائق.. وتناول حبيبي سماعة التليفون فإذا المتحدث “جمال عبدالناصر” وقال له: أنا آسف جداً.. ما جرى غلطة فظيعة والمسئول عنها سيتعرض للعقاب.. ودلوقتي حالا هاتطلع من السجن..
وقبل أن يرد عليه أبي قال “ناصر”: أنا جنبي “عبدالحكيم عامر” ، وهايقدم إعتذار باسم الجيش.. وبعد إنتهاء المكالمة بدا قائد السجن الحربي في “نص هدومه” بالتعبير العامي خجلان من نفسه وهو يقول: أنا آسف آسف.. يا أستاذ “إحسان” حضرتك محل تقدير من الجميع!!

ولا أظن أن قائد السجن فعلها بعد ذلك مع أي معتقل آخر!!

وخرج أبي الغالي من السجن مودعا من قائد المعتقل حتى الباب الخارجي ، لكنه لم يكن سعيداً أبدا بما جرى حتى بعد الإعتذار الرسمي المقدم له من “ناصر” والجيش المصري بأكمله بل كان محبطا!!
وتساءل عن حق: أنا “إحسان عبدالقدوس” عندما تم أعتقالي عرفت مصر كلها الخبر لأنني شخصية مشهورة، وتحرك قائد الثورة ورفيقه قائد الجيش لجدتي.. لكن ماذا عن الآخرين الذين لم يسمع بهم أحد وتلفق لهم التهم فلا يستطيعون حتى الدفاع عن أنفسهم وربما يصل عددهم إلى الآلاف من المظلومين.

ومنذ هذا اليوم أصبحت كتابة القصة تحتل المكانة الأولى عنده بينما تراجع أهتمامه بالكتابة السياسية.. وبرز الروائي العظيم وإشتهر كأديب كبير، وقبلها كان معروفاً بأنه صحفي شاطر لا يشق له غبار!
لكن الدنيا تغيرت في حياته بعد هذه الواقعة المؤلمة التي لم تدم سوى ساعات قليلة! لكنها غيرت مساره وأصبح “سانو” معروف بكتاباته الأدبية وقصصه ومعظمها تحولت إلى أفلام.

محمد عبدالقدوس

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.