يوم ان بكت دموع السماء من اجل فريد الاطرش

اللقاء الاخير

يوما غريبا

كتبت / غادة العليمى

التقت شادية بفريد فى اخر حفله احياها قبل ان يفارق الحياة

وتقول شاديه عن ذكريات حفل بيسين عاليه الذي أحياه فريد الاطرش وشاديه كان يوماً غريباً لا أنساه ذلك الذى التقيت فيه مع فريد فى كازينو “اليسين”.
وكان المطر يهطل بغزارة غريبة رغم أننا كنا فى شهر أغسطس.. هل يصدق أحد أن تسقط الأمطار بهذه الكثافة فى شهور الصيف؟
إنها ليست أمطاراً.. بل هى دموع غزيرة.. كأن السماء كانت تبكى من أجله حزناً عليه من النهاية المؤلمة التى كانت تقترب بسرعة.
ووقف فريد ليغنى أمام الناس.. ورغم صحته المنهارة إلا أنه غنى كأنه فى العشرين من عمره.. غنى بحرارة وانفعال.. لم أره أبداً يغنى بمثل هذا الحماس.. واستمر فريد واقفاً فوق المسرح ساعات طويلة وحتى الخامسة صباحاً.. وكأنه يودع محبيه الوداع الأخير.. نسى مرضه.. ونسى نصائح وتحذيرات الأطباء.. ونسى خطر الموت..
واستمر يغنى تحت المطر الذى لا يتوقف..
وخرج الناس إلى بيوتهم ليستبدلوا ملابسهم بملابس أخرى ثقيلة بعد أن ابتلت ليعودوا مرة أخرى ليصفقوا له وهو يغنى:
يا حبايبى يا حلوين
واحشنى يا غاليين
لو اغمض وافتح
وألاقيكم جايين

ودموع السماء لا تتوقف.. والقلب المريض يغنى بلا توقف.. والمسرح المكشوف لا يستطيع أن يمنع سقوط الأمطار فوق فريد وفوق المتفرجين.. والناس يصرخون من الإعجاب ولا يفكرون أبداً فى الهروب من المطر.. بل تمسكوا بمقاعدهم وكأنهم يشعرون أنه الوداع الأخير لفنانهم الذى عاش يملأ الدنيا بالحب!
وعدت إلى الفندق.. فدق جرس التليفون ووجدت فريد يقول لى: سأعود للغناء مرة أخرى.. تعالى.
ما الذى حدث له.. إنه لا يريد أن يتوقف أبداً عن الغناء.. هذا انتحار.. كيف يتحمل قلبه المريض كل هذا الإجهاد؟
وعدت لأقول له كفى يا فريد.. لابد أن تستريح.. وجلست فى الكواليس وأنا أتطلع إليه وكأنى أراه للمرة الأولى فى حياتى.. شاباً باسماً يتحدى المطر ويغنى للحب وسط غضب الطبيعة.. تحت دموع السماء التى تسقط بغزارة إشفاقاً عليه من النهاية المؤلمة التى كانت تزحف نحوه.. فليس هناك قوة فى العالم تستطيع أن توقفه عن الغناء حتى لو كان الموت نفسه.
وانقبض قلبى وكاد يتوقف وأنا أسمعه يقول للجمهور: هذه أخر مرة أغنى لكم وهذه أخر أغنية.
وبعد أن انتهى من الأغنية قلت له: ما هذا الذى تقوله يا فريد.. انت دائماً تقول كلاماً يوجع القلب.
وأحسست وأنا أصافحه بأن يديه باردتين كالثلج.. وقبلنى فوق خدى.
كانت الساعة الخامسة صباحاً.. ولولا أن دورى فى الغناء كان قد حان لما كنت تركته أبداً صاحب القلب الدافىء واليدين الباردتين.
وقال لى فريد: لازم تيجى بعد انتهائك من الغناء.. سأنتظرك على مائدة الإفطار.
كان نور الفجر قد بدأ يظهر.. إنها أول مرة أغنى فيها تحت نور الفجر.. وانتهيت من الغناء فى السادسة صباحاً.. وأنا أشعر بإرهاق شديد فالضغط الذى أشكو منه بدأ يرتفع فجأة بسبب صعودى إلى هذا المكان المرتفع فوق الجبل.
لقد غنيت:
اتعودت عليك يا حبيبى
وبقيت ملك إيديك يا حبيبى
وكأنى كنت أغنيها لفريد الذى كان لقائى معه فى الكواليس فوق الجبل أخر لقاء.
وما يحز فى نفسى الأن أنى لم أتمكن من الذهاب إليه بعد انتهائى من الغناء لتناول الإفطار كما وعدته.. ولولا الصداع الشديد لكنت ذهبت إليه… ولكنه كان الوداع الاخير

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.