أخطر مخدر فى العالم !بقلم حسن فتحى

سيدة خمسينية من جنسية مغاربية متزوجة من مصري تطرق باب إحدى الجمعيات الخيرية؛ طلبًا للمساعدة في رعاية ابنتيها، وتشكو الفقر الشديد؛ لأن زوجها انصرف عن رعايتها هي وأولاده، وغرق حتى أذنيه في إدمان الترامادول، وإذا سألته طعامًا لهن، كان رده “كلوا طوب”!!

وحارس عمارة يترك أسرته ويغيب عنها أيامًا، ثم يعود ليلتهم ما جمعته زوجته من مصاريف أولادها؛ حتى يشتري شريط “ترامادول”، وانتهى به الأمر أن جمع حصيلة صيانة العمارة ليشتري المخدر ثم اختفى، وأسرته لم تجد بدًا من المغادرة !!

ورجل انتصف عقده السابع من العمر تبدو عليه علامات الوقار، اضطرته الظروف ليسأل الناس المساعدة في نفقات تجهيز إحدى بناته الثلاث حتى لا تُفسخ خطبتها، كما حدث لأختيها من قبل، بعدما اقترب موعد زفافها؛ لأن أخاهم الشاب الوحيد – برغم مؤهله الجامعي – جرفه رفقاء السوء على المقهى إلى تناول “الترامادول” من باب التسلية، فأدمنه، حتى سرق تحويشة عمر والده لينفقها على الكيف!!

بالتأكيد هذه نماج واقعية لحالات متشابهة، أصبحنا نصادفها كثيرًا في حياتنا اليومية، الجاني فيها واحد هو “الترامادول” والمجني عليه مئات الأسر المصرية، التي تسرب هذا المخدر إلى أحد أفرادها، فأتى ذلك على الأسرة كلها..

خطورة هذا العقار الذي ينتسب إلى عائلة المورفينات التي تتربع بأصنافها المختلفة على قمة عرش المُسكنات، ولها استخدامات طبية محددة، للتحكم في الآلام الشديدة التي لا تُجدي معها المُسكنات المعتادة، كآلام جلطات القلب، وآلام الحالات المتقدمة من السرطان، وبعض آلام المفاصل الشديدة، لكن تقريبًا كل هذه العائلة المورفينية لها آثار جانبية تتعلق بالتلاعب في كيميائية مراكز المشاعر والانفعال في المخ، وهنا تبرز سمعتها كمخدرات، وتكون نهايتها هلوسة وتدمير للكبد وانخفاض حاد في ضربات القلب، ثم الغيبوبة فالموت المفاجئ.

في مقالة مهمة تم نشرها في يناير الماضي تحت عنوان “أخطر المخدرات في العالم”، أكد الدكتور جون ريجان أن الترامادول، وهو عقار أفيوني اصطناعي ظهر عام 1995، هو أكثر العقاقير إدمانًا وأخطرها في العالم، وأن وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية لم تصنفه في البداية ضمن جدول المخدرات، مما جعله عقارًا خطيرًا للغاية – لأنه في الواقع كان يسبب الإدمان بدرجة كبيرة، ولأنه كان من السهل الحصول عليه، تمت كتابة ما يقرب من 45 مليون وصفة طبية للترامادول للمرضي في الولايات المتحدة عام 2013، مما زاد من قلق الأطباء .

غير أن تقريرًا نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، برهن على الانتهاكات الرهيبة في الدول الإفريقية، خاصة في الكاميرون ونيجيريا، كما كانت مصر ضحية أخرى للتصورات المضللة للمخدرات، مما أقنع إدارة مكافحة المخدرات في نهاية المطاف بتصنيف الترامادول ضمن جدول المخدرات عام 2014، لكن ما يؤسف له أن منظمة الصحة العالمية مازالت تصنفه كعقار دون قيود.

وفي مصر، وفقًا لأحدث الدراسات التي أعدها صندوق مكافحة الإدمان، عن نسب تعاطي المواد المخدرة، جاء التعاطي المتعدد “الذين يتعاطون أكثر من نوع” في المرتبة الأولى بنسبة 68. 41%، فيما حل الترامادول ثانيًا بنسبة 34.15%، وأرجع الصندوق ذلك إلى تعدد مصادر الحصول عليه، ورخص ثمنه وارتباطه بالعديد من المفاهيم الخاطئة؛ خاصة لدى فئات الحرفيين والسائقين، ثم جاء مخدر الهيروين بنسبة 13.71%، برغم خطورته الجسيمة والمدمرة، وجاء مخدر الحشيش بنسبة 7.07%..

وعلينا الإشادة بالجهود التي بذلتها ومازالت تبذلها قواتنا المسلحة على أرض سيناء؛ بمساعدة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في تجفيف منابع ترويج نبات البانجو؛ بحرق زراعاته التي كان يرعاها بعض عناصر البدو الخارجين على القانون، ونجاحها في القضاء على تجارته..

وعلينا الإشادة بدور رجال الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الذين تمكنوا أمس الأربعاء من إحباط دخول أكبر كمية من الهيروين عبر مياه البحر الأحمر “سفاجا”، بلغت طنًا و200 كيلو، بقيمة 10 مليارات جنيه، من خلال مركب إيرانية الجنسية.

ونأمل أن ياتي اليوم الذي يتم فيه محاصرة عمليات تهريب الأقراص المخدرة، خاصة عقار الترامادول، الأكثر انتشارًا في عالم المخدرات، وهناك جهود جبارة تُبذل بالفعل من خلال تكثيف عمليات التفتيش بالموانئ الرئيسية، حيث جرى ضبط حاويات كبرى ورسائل قادمة من الصين تحوي ملايين الأقراص المخدرة..

ويظل الجهد الأكبر المطلوب منا جميعًا، هو نشر الوعي بين كل فئات المجتمع، خاصة الشباب منهم، للتحذير من تعاطي أي عقاقير أو أقراص بدون وصفة طبية؛ لأن الدولة وحدها لايمكنها فعل كل شيء، ما لم يكن هناك تعاون مجتمعي فعال.
نقلا عن بوابة الاهرام

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.