ابو تريكة وصلاح بقلم ؛ عمرو الشوبكى
اصطناع معركة بين أمير القلوب ونجم مصر والأهلي الكبير محمد أبوتريكة، وخليفته المتفوق والمبدع والعالمي محمد صلاح أمر وهمي ومسيء للجميع.
يحسب البعض خطأً وزوراً أبوتريكة على تنظيم الإخوان، وليس على مصر، في حين أن الرجل كان نجم أكبر أنديتها، ونجم منتخبها الوطني لسنوات طويلة، ونتاج واقعها الثقافي والسياسي المحلي، في حين أن محمد صلاح احترف مبكراً خارج مصر، وصُنعت نجوميته بفضل نظام احتراف ومنظومة رياضية أكثر تقدماً من نظيرتها المصرية، وهي التي جعلت موهبته تنتقل من المحلية إلي العالمية.
يقيناً أبوتريكة الذي أوصت نيابة محكمة النقض بإلغاء إدراجه على قوائم الإرهاب، وفتحت الطريق أمام إثبات براءته، هو ابن واقعنا المحلي، فقد أبدع رياضياً، وتفوق على كل المستويات أخلاقياً وكروياً، وتبقى ميوله وتوجهاته السياسية محل خلاف ورفض من قبل الكثيرين.
ومن المهم التمييز بين المعارضة السياسية ودعم الإرهاب، فقد يكون أبوتريكة من ضمن النوعية الأولى، فيصبح الأمر له علاقة برفض آرائه السياسية لا اعتباره إرهابياً، ولو هناك إدارة سياسية للشأن العام في مصر لكان على النظام السياسي أن يحرص على تحييد من هم مثل أبوتريكة وإبعادهم عن تأثير خطاب الإخوان، واستعادتهم لأحضان الوطن مرة أخرى.
نعم أبوتريكة ليس فوق القانون وأن العدالة ومحكمة النقض ستحسم براءته من عدمه، لا شتائم بعض الإعلاميين، ويجب ألا ننسى أنه كان مصدر سعادة ملايين المصريين أخلاقياً ورياضياً، وحين عبر عن آرائه السياسية في عهد مبارك اكتفى في 2009 برفع قميصه الرياضي ليرى الناس جملة: متعاطف مع غزة، وفي عز مشتمة السباب بين جزء من الإعلام المصري والجزائري نأى أبوتريكة بنفسه عن هذا المستنقع، وأعلن بعد نجاح الجزائر العربية في الوصول إلى كأس العالم أنه سيشجعها في موقف قومي نبيل.
أما محمد صلاح المصري الأصيل والمتدين الخلوق، فموهبته صقلتها الملاعب العالمية، وليس الملاعب المصرية، وهو نتاج واقع رياضي واجتماعي وسياسي لا نعرفه في بلادنا، وهو يقدم صيغة في الرياضة غابت عن السياسة؛ لأنها تقول: كيف لا تتخلى عن أصولك الوطنية والدينية وتكون في الوقت نفسه جزءاً من العالم حتى تصبح نجماً عالمياً، فلا تكفره ولا تخونه، ولا تنظر إليه باعتباره يستهدفك ويتآمر عليك لكي تخفي سوء أدائك.
إن نجاح محمد صلاح لم يكن نجاحاً لنظامنا السياسي، ولا لنظامنا الرياضي الذي لم ينجح في تقديم لاعب محلي بمستواه العالمي.
“مو صلاح” أسطورة حقيقية نسفت كل الأنساق الطبقية التي تفرض مائة قيد على أي شاب من أسرة بسيطة في بلادنا لكي يصعد في السلم التعليمي والوظيفي، ويكفي أن ترى كيف علم صلاح نفسه بنفسه، وكيف تعلم اللغة الإيطالية حين كان في نادي روما، وأتقن الإنجليزية بعد أن ذهب إلى بريطانيا، وقبله المجتمع الغربي بلحيته وشكله “غير الخواجة” لأن موهبته أصيلة، وحقيقية، وليس مدعياً.
علاقة صلاح بالغرب هي عكس الخطاب السائد عندنا عن المؤامرات الوهمية، وعن أننا شعوب غير قابله للتقدم ولا الديمقراطية، ولا الإنجاز فجاء واحد من الشعب العادي والبسيط وحقق إنجازاً عالمياً حين أتيحت له الفرصة في أن يصبح داخل منظومة حديثة بها قواعد وقوانين واحترام للكفاءة والموهبة.
مدهش وعجيب أن يري البعض أن صلاح هو ابن مصر الوفي؛ لأنه تبرع لصندوق تحيا مصر، أو قام بحملات لمحاربة المخدرات، أو لم تكن له أي مواقف معارضة، في حين أن الحقيقة تقول إنه صحيح مصري روحاً وعقلاً، ولكنه ليس ابن واقعنا الحالي، ولا منظومتنا القانونية والسياسية والرياضية، وأن موهبته الكبيرة مثل آلاف غيره ولدت في مصر، وهاجرت خارجها لتجد من يرعاها وينميها خارج مصر، في حين بقي آلاف الموهوبين والأكفاء داخل مصر خارج دائرة الضوء والاهتمام.
على عكس صلاح كانت تجربة أبوتريكة الذي هو ابن واقعنا الحالي بكل مشاكله وأزماته، فتعاطفه مع فكر جماعة الإخوان دون أن يكون عضواً في تنظيمها، وتأييده لرئيسها المعزول د.محمد مرسي مثل كثير من البسطاء الذين تصوروا واهمين أنهم يؤيدون “جماعة ربانية” ستحل مشاكل مصر وليست أحد الأسباب الرئيسية وراء مشاكلها.
علينا ألا نتصور أن كل هذه الجماعات الدينية التي ظهرت في مصر منذ تأسيس الإخوان عام 1928 هبطت علينا من السماء، إنما هي نتاج واقعنا الثقافي والاجتماعي والسياسي، وأبوتريكة لم يكن بعيداً عن هذا الواقع وربما ابنه، ولو كانت أتيحت له فرصة الهجرة خارج مصر مثل صلاح لرأى وطنه والعالم بمنظور جديد، وربما لم ينتخب مرسي.
محمد صلاح وأبوتريكة وجهان لتفوق مصري، أحدهما أصبح عالمياً عبر منظومة لا نعرفها في بلادنا، والثاني هو الأكثر اتساقاً مع واقعنا الحالي، فلا تأخذوا صلاح نحو توجه سياسي لم يصنع نجاحه وتفوقه المبهر، مثلما لا تصروا على حشر أبوتريكة مع القتلة والإرهابيين، وهو نموذج للخير والمحبة حتى لو اختلفنا مع كل آرائه السياسية.
نقلا عن مصراوى